أرحب من كل ضيق

  قدرٌ كبير من البؤس كان يُصب عليّ صبا وقد ضقت به ذرعًا، قد كنت للتو أنهيت كتابة  كل عام برشويات بحال بعد مقابلة عمل غير مبشرة، وسبحان الله و كأن الظلام قد انقشع وتبدلت جميع مشاعر الحزن فرحًا وخفت أسقام الجسد وتهللت أساريره، لقد قال لي: "أحنا إبلناكم أنتوا التلاتة ياهندسة" لقد كان وقعها ساحرًا ومرت أمام ناظري لحظات جميلة لي في الصحراء بين الجبال، وبعلمي أن تلك اللحظات الجميلة ما هي إلا محض خيال رائع ساذج ربما أقتبسته من كتاب في بلاد العبابدة ولكنها مع ذلك جميلة بددت فيها شمس الفيافي غيوم السماء الرمادية.

  ولكنها لازمتني طيلة هذه الأيام منتظرًا بدأ هذا الفصل الجديد من حياتي متسائلًا عن مكان سكني في الصحراء حينا؟ وكيف سيسير يوم عملي أحيانًا؟، وربما تسائلت ماذا سأرتدي عادةً؟ وما هو لون أفرول العمل؟ وأي قبعة سأعتمرها هل هي السوداء أم البنية؟، كان التفكير في ذلك ممتعًا مسليا، وكأني ذاهب إلي جنة خضراء- فرح غامر!!- يضاد الشعور الطبيعي لشخص سيقضي ثلاثين يوما في غياهب الصحراي…

  حسنا علي أن أذكر أني سأقضي ثلاثين يوما بلا انقطاع مبدئيا كنوع من الاختبار لتحملي للضغط، ربما هذه نتيجة طبيعية لما قلته عن تحملي للضغط في المقابلة الشخصية!! :( ، علي كل حال ستفضي ليالي الصحراء إليّ بسكونها وبذلك قد ضمنت السلوان علي هذه المدة العظيمة، و غالبا ستزيل نيران الحماس ظلمة إرهاق الجسد. 

   وبينما أنا نائم أكاد أحس أن ما أنا فيه حلمًا- ربما كذلك -  سمعت موسيقي الفالتز تتسلل إلي أذني مداعبة إياها برفق ثم قسوة، فاستقظت و أجبت الهاتف و بعد حديث لم تكن فيه إلا أول جملتين بالعربية حصلت علي مقابلة آخري، لم تكن حياتي مثيرة للأهتمام بالنسبة إليّ بهذا القدر سابقًا، فالحمدلله كثيرا صاحب الفضل والعطاء جل جلاله.

   حقيقة لم يكن محمود الشهر الفائت سيتصور هذا ولكنه حدث مع ذلك، ضاقت به الأيام سابقًا ولكن أتي بعدها عطاء من الله أرحب من كل ضيق أصابه وها هو يسترخي أمامه النيل قارئًا لخيوط العنكبوت وقد أعجب بالكتاب في بدايته ومل مع مرور الصفحات، وقد قال المنفلوطي في العبرات: ومتى كانت هذه الحياة موطناً للسعادة أو مستقراً لها؟! ومتى سعد أبناؤها بها فنسعدَ مثلهم كما سعدوا؟! وإن كان لا بدّ من سعادةٍ في هذه الحياة فسعادتها أن يعيش المرء فيها معتقداً أن لا سعادة فيها ليستطيعَ أن يقضي أيامه المقدرة له على ظهرها هادئ القلبِ ساكن النفسِ لا يكدِّر عيشهُ أملٌ كاذب، ولا رجاء خائب.

  بعد كل فترة بؤس أتيقن أنه من الضروري وضع هذا في عقلي فلا أحد يأمن دوائر الأقدار!!


 مشروب الاسبرايت بالليمون مبالغٌ فيه ولم يكن لذيذا ومع ذلك كان منعشًا



Comments

Popular Posts