على جانبي السلك

 سائرين بين التلال خلال الليل الحالك، والنسمات تأتي تباعًا محمّلة بهواء نقي، وأصوات الحيوانات الليلية من حولنا تعلو وتنخفض، فهم على عكس هذه الليلة الهادئة مشغولون، قد صعدنا على أحد التلال ورتبنا جلستنا، ولوحنا بهواتفنا كي نحظى بساعة من الإنترنت، وبين الفينة والأخرى نراقب حولنا بحذرٍ من قرصات العقارب ولدغات الثعابين.

 يصعد القمر مع مضي الليل ودوران النجوم، فيتلألأ كقطعة من البلور المضيء، كأنها التمست نارًا في كهفٍ مظلم فتوهجت، فإذا بأشعته البيضاء الناعمة تغلف كل تلة و تلة بلونها الأبيض الخافت برقةٍ أراحت الأحجار والرمال من عناء شمس الصباح، وهكذا ظهرت الطرق ووضحت الوديان؛ فقد أنار القمر جلستنا.

 فكرت كثيرًا قبل اليوم في الجمال، وكيف أن جمال القمر لا يُعتاد، فأظل أحدق فيه متأملًا روعته، متعجبًا كطفل صغير رآه للمرة الأولى، والنجوم المتناثرة كعناقيد العنب، بهية لا يختلف بهاؤها عن جمال القمر، فهما في سمائهما معًا صورة جمالية متكاملة في نسيجٍ أزرق داكن.

 وفي مكان ليس عنا ببعيد في هذه الصحراء الحدودية خلف سلك شائك، ربما هناك من ينظر مثلنا إلى السماء نفسها وإلى ذات القمر، وربما يراه جميلًا كما نراه نحن، لكن هناك من لا يقدر جمال القمر، مفضلًا ظلام الليل، قد قرر أننا شخصان مختلفان، وأنه لابد أن نرفع سلاحنا في وجوه بعضنا إن عبر أحدنا إلى جانب الآخر.

 كحالنا أنا وأنتِ لا أعلم إن كان قُدر لنا أن نكون سماء وقمر في نسيج واحد أو شخصين في نفس الجانب من السلك، ولكن ما أعلمه الآن أننا قمرُ وسماء ربما لسماء وقمر آخريين، ما أعمله أننا على جانبين بينهما سلك شائك.

 طالت جلستنا وازداد القمر توهجًا وبريقًا، فظهرت بذلك خطوط من أشجار السنط والطلح والسدر، وبدأت النسمات تصبح أكثر برودة، والحديث أكثر تسلية، متحدثين في قضايا مهمة وأحداث مصيرية، فالحروب تبدأ وتتوحش وصروف الدهر تتغير و تقسو وفي التاريخ العبر، نتحدث ونحن نعلم انعدام تأثير حديثنا في هذه الجيوش الضخمة وتلك الدول الكبيرة، ولكنه تنفيس للعقل وترويح للنفس.

 الصحراء رائعة في الليل، رائعة في سكونها وقمرها ونجومها، رائعٌ جوها في هذا الوقت من العام، رائعة هي في تعليم التقدير لنعم كثيرة قد أنسانا توافرها قيمتها الكبيرة، وإذا السكون حولنا ارتفع وكأن له صوت، فقد خفتت أصواتنا، ونأى كل منا بجانبه متفكرًا في حاله، لم يطل الوضع كذلك حتى ارتسم البؤس على الوجوه، وعجبت كيف لأحد أن يتخيل جلسة غير هادئة للجالسين في هذه البقعة الهادئة من العالم.