كل عام برشويات بحال!!
صمتٌ غالب..ظلمة مفرطة، تنهي هذا الهدوء دقات قلبه كما تكات الساعة معلنةً سيادة الإنتظار، إنتظار طال آمده وكلما طال طعن فيه بعمق، وكأنه وسط ظلام القنا وجملة الفرسان يكرون نحوه، وبين تلكُم الفوارس الممتطين هو مترجل بلا درع ولا سربال، يري بريق رؤس رماحهم ويهم أن يتفادها، وقد أوشكوا أن يتمكنوا منه..
فتح عينيه واستيقظ من نومه.. ربما أثرت فيه قصائد عنترة فتخيل حاله في وقيعة من وقائعه، وإذا قد سمحت النافذة بأشعة الأصيل أفاق تمام الإفاقة وأنتبه إلي واقعه التعيس في نظره، لقد كره جلسة المنزل، وسأم حدة هذه الأيام، هذه الفترة من أسوء أيام حياته غالبا يعيش في ما كان يخشاه كثيرًا..
ربما هو أنه في الثاني والعشرين من عمره ولم يعل نفسه، لها وقع صعب وتأثير عميق، الحمدلله هو ليس ذاك العبء علي أهله، ولكنه هذا الشعور هو عبئه وسبب مشقاته وأحزانه، هذا من مسؤوليته.. شعور دفين ليس لديه حتي القدرة علي إيقافه.. و فكر أن ما هو مسؤوليته حقا هو أن يقف علي قدميه ويتصدي لطعنات الأيام بصدر قوي فلا حيلة لتفاديها وعلاوةً لديه ما يفعل ذاك لأجله.
ولديه حلم جميل وطموح ليس له حدود وصبر علي عتمة الحزن وما يصاحبه من بؤسٍ وضجر، فيأتي شعاع الأصيل ينير ظلمته فيهون ذلك عليه يومه ويسهل مرور ساعاته، سحب ما كان يقرأه من رف الكتب وأستكمل ما أنتهي عنده فإذا هي أبيات سيدنا علي كرم الله وجهه:
فإِن تسألني كيف أنتَ فإِنني * صَبُورٌ على رَيْبِ الزمانِ صَعيبُ
حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبة * فيشمتَ عادٍ أو يساءَ حبيبُ
اصبرْ قليلاً فبعد العُسْرِ تيسيرُ * وكُلُّ أمرٍ له وَقْتٌ وتدبيرُ
وللميمنِ في حالاتِنا نظرٌ * وفوقَ تقديرِنا للهِ تقديرُ
ربما في النهاية الإنتظار هو الحل الوحيد، ربما صدق صوت قلبه إذ حثه علي الصبر والانتظار، ولكن ليس صبر سكون بل صبر سعي وجِد.. مر يومه إلي الليل وقد طالع السماء وأخذ ينظر إليها وكأنه يواسيها وتواسيه، وقد تلألأت نجوم الليل بلمعان بديع ساطع وبعد أن طال نظره وأستقرت علي السماء عيناه، أخذت من بريق النجوم بريقا ساحرًا فتلألأت فذهب حزنها، و توقف تفكيره الحزين وكأنما صدمه جمال السماء وإذا بشهاب سريع مار خطف نظره إليه..
أسعده كثيرا وأخذ يترقب شهب البرشوايات كعادته كل عام، وكم كان سعيدًا في مثل هذا اليوم لأعوام، وأعطاه هذا الأمل.. أمل أن حياته ستحلو يوما فعليه ألا يكدر عيشه وأن يصبر قليلا ويهون عليه ويكون هذا الحزن مجرد شهاب عابر ما يلبث أن يظهر حتي يختفي!! وعجب وعجبت أيضًا معه كم كل عام برشواياتٍ بحال؟!
![]() |
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). |
ليلة حسنة الشكل حزينة الأفكار
Comments
Post a Comment