ثلج

  كنت أراقب الطقسَ  فلقد علمتُ أن الثلج سيتساقط ليلاً، وأنظر خارجًا بين الفَيْنَةِ و الأخرى فتتوه عيني بين الضباب الكثيف، وأخذ الضوء يتلاشي ناحية السماء، ساد السكون في الحي إلا من أصوات المارة بين الحين والحين، فلقد طال وقوفي في الشرفة أو هكذا أحسست فلقد تجمدت أطرافي من البرد، دخلت إلى غرفتي وأطفأت الأنوار وحدقت من النافذة إلى هذا العالم الواسع والبارد، أضاء نور الخارج غرفتي الصغيرة بنور خافت وعلي صغرها، إلا أنها دافئة.. هادئة ومريحة، شددت علي النافذة الستار ومددت جسدي وقد خاب ظني من توقعات الطقس، فنمت.

  أفقتُ في الصباح وكعادة النوم معي أغالبه ويغالبني، حتى قمت وشددت من على النافذة الستار وإذا الضباب قد اختفي وانتشر البياض فوق الأسقف والسيارات، ونزلت بلورات الثلج متتابعات تحركها الريح فتنثرها فوق الأشجار والنباتات، وقد توقفت برهة أحدق.. كانت اللحظات تمر ببطء، وكأني الثلج الأبيض الناصع يسحرني، كانت رؤيته ممتعةً كمتعةِ طفل صغير يكتشف ما حوله لأول مرة فيقدرها، سعيدٌ أن هذا الطفل الصغير لايزال بداخلى أحيانًا فأسعدُ بالأشياء الصغيرة كما يسعد.

  خرجت مع صديقي يوليان إلى حديقة ماكسمير في زغرب، وقد وضع الثلج غلالة رقيقة على كل شئ من الأعلى فأعطاه جانبًا أبيض، حتى ما كانت ألوانه الداكنة تخفيه بيَّنَ تضاد الثلج معها جمالها، وهكذا سيرنا بين الأشجار والبحيرات، وأنا لا أصدق ما تراه عيناي وما تحسه يدياي عندما أمدهما لكي يسقط عليهما الثلج، كم أتمنى أن يكون قلبي سليمًا نقيًا أبيضا كبياض هذا الثلج، أن يكون هكذا دومًا مهما تحاملت عليه الظروف وشقت عليه الحياة، وأن تظل براءة ذاك الطفل داخلي تبدو بين الحين والحين تُسرُ بأبسط الأشياء لا تخفيها تعقيدات الزمن ولا تنغص عيشها صروف الحياة.

  رجعت إلى غرفتي الدافئة وتوقفتُ وسكنت حركتي ولكن لم يسكن الثلج، فأمسيت أناظره وفي يدي كوب ساخن حتى تلاشي الضوء وعم المساء، كما عم في نفسي السلام، فسلوت عن وحدتي بعض الشئ، ونظرت إلى بلورات الثلج تلك فهونت عليَّ فراق النيل، وذكرتني بأنما الفراق لهدف وأن هذه اللحظات السعيدة الهادئة إنما هي راحة أمسية لعمل ونشاط في الغد، ذكرتني أن التعب من وعورة الحياة والكفاح هو ما يجعل الهدوء ممتعًا وجميلًا.



بواسطة يوليان زيبنهار، ماكسمير/زغرب/كرواتيا

   

Comments

Popular Posts