زهرة
طريق طويل في السهل حينًا، وخلال الجبال أحيانًا، لا يُعرف آخره أين، ولكنه معروف، فيه الإرهاقُ صاحبٌ دائمٌ ورفيقٌ ثقيل، والوحدةُ مستمرةٌ حينما لا ترى أمامك إلا الطريق.
أوشكت عين الشمس أن تقترب إلى الأرض، فرمت بألوانها الدافئة الأرجاء، وجاءت النسمات الباردة برفق فهدأت من حدة الشمس، وكانت الزقزقات تروح وتغدو بتناغم بديع، وكأنما كل الأرض تتهيّأ..
سائرًا إلى الأمام بخطوات حذرة في طريقه الطويل، وخلفه زهرة من بين أزهار المروج، وكأنه في خضم معركة تدور في عقله، ابتعد عن الزهرة الحمراء تلك، أعجبته، لم تكن كسائر الورود، أرادها..
لم يكن ليقطفها، فتركها وسار، ولو أن التفاتته بنظرةٍ أخيرة كشفت صراع قلبه وعقله، فجرد سيفه من الغمد، تخيل أن بأسه وحده سيحميه، خطوةً بعد خطوة أدرك وهو يسير مثقلاً بخفّتها، أن حتى درعه لن يقيه..
كيف لقوته أن تكون طَريحةَ الرقة، وكيف هزّ جسده الكبير نسيمٌ عليلٌ بعد أن مر على تلك الزهرة، فحركها بخفةٍ جميلة، المرورُ لجانبها للحظاتٍ حينها بدا كأنها الأعوام تمر بينما ناظراه صوبها.. صوب تلك الوردة الحمراء.. لقد توقف الوقت، وفي برهةٍ تحرك سائرًا كأن ما رآه لأعوام هو مجرد لحظاتٍ عابرةٍ جميلة، وأملٌ ما إن بدأ يرتفع مع النسيم حتى انتهى، فكلما رأى الهواء يقلب زهرةً في السهول، تذكر وردته الحمراء الندية، تذكر رائحتها العبقة، ولونها الداكن الزاهي.
علا صوتُ عقله وعزته، نظر أمامه إلى المدى وما به من مروج وبراعم وأزهار، وفكر: لربما في هذا المدى هناك، تتمايل زهرته مع النسيم.
شد على مقبض سيفه، وقرب إلى صدره درعه، ومرّ لا منتصرًا ولا مهزومًا، بل عابرًا مثقلاً بما لم يُقَل..
Comments
Post a Comment