غيم

 قد أتت بشائر الغيث وكان الغيم متلألئً ببياض جميل متبعثرًا في سماءه الزرقاء، طال نظرى لمروره السريع وتشكلاته المختلفة فتذكرت زمن صباي عندما كنا نشبهه بالحيوانات، مستلقيين علي ظهورنا ناظرين للسماء، مجتمعين في لهو و أُنس، لم نحمل حينها هما ولم يعكر صفو عيشنا زمنها شيئا.

كنا متطلعين إلي أن نكبر ونأخذ من صلاحيات الكبار شيئا، نريد أن يمر الوقت مسرعا كتلك الغيوم فوقنا، وهكذا قادتنا اللهفة من مرحلة إلي آخرى متلهفين إلي مرور الحاضر إلي مستقبل مختلف، ربما هي لهفةٌ دافعها الملل والرغبة فى التغيير، وربما هو رفض الواقع وتعليق الأمل بمستقبل سيكون في خيالنا أفضل.

لم تمنعني هذه الأفكار من الاستمتاع بهذه اللحظات الخلابة التي أعقبتها أمطار هائلة، كان الناس فريحين بها كالاطفال، وأستقبلتها الصحراء استقبال الفاتحين مرحبةً بكل قطرة من ذاك الغيث الذي هدأ قيظها وخفف من حرارتها و أنعش يابس نباتها، وتذكرت قول الله بسم الله الرحمن الرحيم ("إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) صدق الله العظيم

وأكملت تفكري في أمر التطلع و تسائلتُ أن تطلعنا الدائم للمستقبل ما هو إلا تطلعنا إلي الموت لأننا نفرض وجود ذلك المستقبل مع أن عدم وجوده أيضا احتمال، ولكن إن فَكر الناس دائما هكذا لما فعلوا أمرًا في دنياهم و ذروها مفكرين فقط في نهايتهم.

لكن ما أملكه فعلا هو حاضرى.. ما أعيشه حاليًا وما كثرة التطلع إلي المستقبل إلا تجاهل عيش الحاضر والتأثر به سواء بفرح أو حزن، وهذا التجاهل ليس جيدا إذ أن هذا التأثر هو ما يصنع خبرات الإنسان، وعليه فقد أيقنت أن أستغل ما أعيشه بالإفادة أقصاها حتى إذا إنتقلت إلي حاضر جديد في مستقبل آتِ إنتقلت وقد أُثقلت بالخبرة والتجربة..

و قد أشتد المطر فتواريت منه للداخل وكففت عن التفكير!! وقد أشتد الساعة تلو الساعة مع رياحٍ عاصفةٍ، وقد أمتزج حفيف الرياح مع صوت قطرات المطر تتساقط علي أسقف غرفنا فأمسى مزيج صوتهما مخيفًا.


ربيعي أين أنت الآن؟! لم تزهر علي دربي

 ولم ترتعش الألحان حتي الآن في قلبي 

مضت بالشوق أيامي ..ولم أظفر بأحلامي

 فهل أعبر في دربي ويبقى الجوع في قلبي؟

ربيعي أنت في الواحات أم في خاطر الروض؟؟

وأين تقيم هل ألقاك في شطر من الأرض؟! 

ربيع الأرض قد وافي.. وأشرق فجره الضاحي وفجرك يا ربيع القلب لم يؤذن بإصباح

 فهاه قد أزهر الغصن.. و ماج العطر واللحن 

وأما وجهك الضاحي.. فلم يؤذن بإصباح!!

ربيعي هل تري تدنو..

 أم الأيام لا تحنو

فتملئ دائما كأسي

 بماء الشوق واليأس..






Comments

Popular Posts