حلم الإبحار


 وصلت إلي الإسكندرية بعدما قُبلت من بين أكثر من ألف و ثلاثمائة جيولوجٍيّ عازمين إلي المشاركة والتعلم في هذا التدريب الاستثنائي في عرض البحر الذي لم يحدث مطلقًا من قبل، لم يكن هناك إمكانية أن يجري مسح جيوفيزيائي بحري كتدريب، لذلك قد أكتفيت بذاك الإنجاز أني من ضمن الثلاثين شخصًا المختارين، فلم أفكر إلا بالتعلم و قررت ألا أشغل بالي بالتنافس، ولكي يتحقق هدف التدريب علينا أن نجمع بيانات الأجهزة المختلفة من البحر المفتوح لكي نجري لها مراحل التعامل المختلفة للبيانات وصولا إلي التفسير النهائي وبعده توصياتنا بناء علي هذه التفسيرات.

كان يوم الخروج للبحر لجمع البيانات، و شردت في حلمي الخاص بالإبحار بمركب شراعية تحملها الأمواج وتحركها الرياح، ربما في البحر الأحمر أو ربما في بحار البهاما أو الكاريبي تسطع عليها شمس الصيف الذهبية وتصحبها أصوات طيور النورس أفكر بها بيضاء ناصعة و الخشب داخِالها بني فاتح وباقي الأثاث أخضر مخملي يكسر حدة البني، وربما وضعت لوحات جون كونستابل ولوحات إيفان آيفازوفسكي للبحر داخلها ربما لوحته الأشهر الموجة التاسعة.. كان حلمًا مستحيلًا، مستحيلٌ حتي أن أجرب ذاك الأحساس.. ولكنه القدر المكتوب وخصوصا مع تخصص كتخصصي لا تنفك أن تعجب من الأماكن و الأشياء التي من الممكن عملها!!

ركبنا البحر وكان الجو هادئًا لطيفًا والبحر أزرق خلابًا والسحاب المتقطع يمدك بظل جميل لدقائق تعقبها شمس خافتة أشعتها، هدّئت تأثيرها النسمات.. كان الوضع شاعريًا فاتنا مثيرًا لجميل العواطف ومذكرًا بالسعادةِ عموما.

وكنت في ذاك الحلم لربع ساعة قبل أن نخرج من مياه الميناء وندخل البحر المفتوح.. وما إن عبرنا حاجز الميناء إلا وقد تلاطم الموج وهاج البحر، كأنما المركب سلسبيل -هذا اسمها- لقمة غير مستساغة يريد البحر أن يلفظها، وما هي إلا دقائق وقد عمت الفوضي والقيئ المكان فلدوار البحر تأثير علي من ركب الموج لأول مرة، وكان البحارة من طاقم المركب بين حالين يضحكون من المتدريبن وحالهم حينًا ومادين يدا المساعدة أحيانا وكنت بين هذا الحراك أتماسك وإذا قارب شعور الغثيان تجنبت النظر للبحر، وموج البحر لا يرأف بحالنا ولا حتي القبطان!! ضاحكًا من مشاهدة المبتدئين.

أراقب شاشات الأجهزة وأكتب بعض البيانات والملاحظات، متابعا لعمق البحر تارة ومشاهدًا لبيانات السونار المرئية تارة وللرادر آخري وأنا أقاوم دوار البحر اللعين، -ودوار البحر لمن لم يعهده.. يصيبك بدوار وغثيان ووجع في معدتك فتحس أنك تريد أن تخرج ما فيه، وهكذا لم يزدد البحر سوي اضطرابًا ولم يزدد الغثيان إلا شدةً-.

أنهيتُ و فريقي دورنا في أخذ البيانات وجلسنا في مقدمة المركب عائدين إلي البر وهنا لم أتمالك نفسي وأخرجت ما في جعبتي إلي البحر ورجعت مكاني متسائلًا هل عليَّ أن أتمسك بحلم الإبحار ذاك؟!، ربما لا حاليا.. لأني لا أملك من معدات الأبحار إلا يداي.. لا أملك مركبا و لا جواز سفرٍ للبهاما ولا حتي أعرف أمور البحر، علي كل حال البرٌ أفضل من بحر ضروس وموج متلاطم!!.

مرت الأيام الثمانية وبتوفيق من الله حصد فريقنا المركز الأول وكنت من ضمن أفضل عشرة أداءًا علي ظهر المركب سلسبيل.











Comments

Popular Posts