عمارة 42

    أيامٌ قلائل.. ساعات حاسمات.. وأصل إلي نهاية هذه الرحلة الممتعة والشاقة في آن معًا، كم هو غريبٌ أن لحظات الوداع قاسية و محزنة بعض الشئ علي الرغم أن ما نودعه هو شئ مر ببطئ وقسوة في أغلب الأحيان!!، ربما ما أنا حزين لأجله هو ذاك السرور النادر وتلك الغبطة المفرطة نوزعها في جلستنا في ساعة متأخرة في سكننا الجامعي، ربما سرور الوقت المسلي بين السكاشن والمحاضرات، ربما مغامرتنا الصغيرة في شوارع قنا ليلاً، وربما نقاشاتنا الشيقة والساذجة بعض الشئ.

   أو ربما هو الشعور بالأُنس..أُنس الأصدقاء الذين جلبوا أنس بلدتي إلي هذه الغربة التي علمتنا الكثير، وربما هو الخوف من مستقبل مجهول علي الأغلب سأسير فيه وحيدا مفتقدًا ذلك الأُنس وهذه الصحبة، سأفتقد تجمعنا في سراء تلك الأيام وضرائِها، وضروب الطعام الذي صنعناه معا، وحث بعضنا بعضًا لصلاة الفجر، سأفتقد خفة دم الأحاديث وحس الفكاهة، وحرص بعضنا علي بعض.

   أسير.. ألتفت يمنة ويسري.. كل نظرة هي نظرة وداع أكانت لجماد أم لإنسان، شيئا فشيئا يبطئ السير ويزداد في تشتُتِه العقل، ضباب من الأفكار حال بيني وبين عيني.. ذكريات تفيض وتسيل كسيل ليس يمنعه شئ.. قررت أكمل التمشية فما كان لشقة في عمارة 42 أن تسع هذه العواطف وذاك الحنين.

   حقيقة علي أن أكون شاكرًا لله علي كل هذه النعم، و تلك الأوقات الرائعة وإن قَلتْ إلا أن أثرها الصادق ووقعُها الجميل هون حدة الأيام، و أنه في شقة أمام الجامعة تسعُ ستة أفراد.. مرت عليها أجيالٌ كثيرةٌ ونسي الناسُ أنهم كانوا هنا بالأمس، أتوها ستة أفراد مجتمعين وخرجوا منها متفرقين إلي حياة جديدة، قصتهم كقصة ألوفٍ غيرهم، سينساهم الناس ولكن ستتذكرهم عمارة 42..   


Comments

Popular Posts