انعكاس

   حين يغلبُ شعورٌ ما باقي شعوره، ويفيض في نفسه فيصبح لا يُحتمل ولا طاقة له علي إبقاءه، فتُخرجها نفسه خارجًا حتي تستكين، ولكنها إن كانت تشعر بشئ من الضيق و أخرجته، أصبح هذا السواد منتشرًا في الأرجاء وأزعج من جاوره، فإذا بذلك يزيد الضيق فيه، فيعتزل الناس فترة، ويتسائل ما إن كان هذا البؤس هو حقيقة نفسه؟، و أن شعوره  به إنما مرآة نفسه لما نظر لها وتمعن فيها رأها علي حقيقتها ؟؟

   طال بمعزله عن الناس، وصاحب النهر.. تمعن فيه وفي السماء التي تعلوه وقد عكس ألوانها بحقيقتها الهادئة ..الرقيقة، وإذا هو يقارن حاله بحال هذا النيل وقد عكس الجمال بينما عكست نفسه  ضجره و ضيق صدره، ولكنه لا يُلام وهي مقارنة غير عادلة فنفسه الآن سوداء بينما السماء رائعة خلابة وقد تدرجت الألون فيها خلال الغيوم، وأمتزجت و ذاك النهر الساكن فكأنما أصبحا سماءًا واحدةً، و طفت تلك المراكب الصغيرة في هذا المزيج الواسع، وعلي صغرها و كُبر المزيج إلا أن ضربات مجادفها عنيفة، و مسار حركتها غليظ واضح.

   ربما هو  يعرف أن نفسه هادئة و مسالمة كهذا المزيج، ولكنه أيضا يعرف أن ضربات مجاديف بعض العابرين تؤرقه وتنغص عليه نفسه وأنها ضربات قاسية بعض الشئ، وأن ذاك الحزن العميق داخله ليس مصدره هو، أدرك أنه ظلم تلك النفس وأنها و لو لم تكن نقية تماما فهي تحاول قدر جهدها، أغمض عينيه لبرهة.. وأخذ نفسًا عميقا و كرر ذلك وكلما أخذ من هواء جواره النقي، لاشي هذا النقاء البؤس شيئًا فشيئا.. نفسا وآخر..

   فتح عينيه ونظر إلي الفضاء أمامه إلي ذاك المزيج الملائكي و بعد أن هدئت نفسه أدرك أمرًا محوريا، إنما جمال محيطه من جماله هو، وأن تلك الألوان الخلابة عكسها المزيج من نفسه، خلاف ما كان يعتقد بأن ما بداخله سواد بسبب تجديفة قاسية ما تلبث أن تذهب وصاحبها من نهره وسماءه، و أدرك أيضا أن ذاك النهر وتلك السماء ليسوا خاصين به وحده، وإنما هو صاحبها فترة وآخري صاحب مركب عابرة.. يرجُوها ألا تكون قاسية في تجديفها. 







Comments

Popular Posts